Slideshow

vendredi 4 mars 2011

المختار لغزيوي : تعري لطيفة أحرار بوابة من بوابات الانعتاق من التخلف


أتابع منذ فترة غير هينة الفنانة الرقيقة لطيفة أحرار ، وأعرف عنها هوسها بكل ما هو فني حقا . تنحت لطيفة في الصخر فعلا في بلد مثل المغرب ، وتشغل بالها بالتنقيب عن الأشياء التي ستضيف للفن الذي تقدمه شيئا ، ولا تهرب إلى التافه الرخيص أبدا ، أو لنقل بعض الأحايين تحت مسميات اضطرار كثيرة . لذلك حين رأيتها في " كوميديا " فهمت أنها تستوعب الفكرة المؤسسة للبرنامج والقائمة على اكتشاف مواهب شابة ، وهذا أمر جيد ، لكن لم أفهم اصطفافها إلى جانب الرداءة التطبيقية التي كنا نراها في ذلك البرنامج ، مثلما لم أفهم إلا قليلا مشاركتها في سيتكوم منذ سنتين على القناة الثانية ، إن كنت مقتنعا أن الفنان ملزم بأن يعيش ، وبالتالي هو ملزم بأن يشتغل ولو أن هذا النقاش ذو حديث فعلا .
لذلك أحتفظ عن لطيفة بشكل عام بتصور راق للغاية ، وأعتبرها واحدة من الفنانات اللائي استطعن المزاوجة بين تكوينهن الأكاديمي الراقي وبين ما تفرضه الحرفة وظروف ممارستها في المغرب . وحين علمت منذ زمن أن لطيفة بصدد الاشتغال على نص الشاعر المغربي ياسين عدنان " رصيف القيامة " فرحت كثيرا لسببين : أولهما أن المسرح المغربي التفت مجددا إلى الشعر المغربي يجد فيه السند والعون على الرداءة القاتلة المحيطة به من كل مكان ، والمتسربلة في شتى الرداءات ، وثانيهما أنني كنت أظن باستمرار أن الشاعر والفنان خلقا لكي يتفاهما – لكي نتذكر واحدة من الأعمال المسرحية المغربية التي لم يكتب لها كثير انتشار رغم الفكرة النبيلة التي حركتها – وأنه ليس هناك ما هو أفضل من ركح مسرحي لكي يمتشق فيه الشعر مكتوبا للمسرح صهوة كل الحكي ، وصهوة كل الممكنات في القول والمستحيلات .
هذا نظريا ، لنمر الآن إلى " التطبيقي " والعملي . كنا نعرف أن المسرحية حين ستعرض ، " غادية تنوض القوق للخوانجية " . ولطيفة كانت متأكدة من الأمر ، لأنها أسست لعرض قائم على التعبير الجسدي – والتعبير الجسدي مادة فنية قائمة لوحدها تدرس في كل معاهد التكوين المسرحي – وقد عمدت لكي تمتص صدمة التلقي الأولى لبث صور تدريباتها المسرحية ، وكان واضحا أن جسدها سيحضر في العمل لأنه من المستحيل والمن المضحك أيضا تخيل عمل قائم على التعبير الجسدي دون استعمال الجسد فيه .
لكن عندما عرضت المسرحية وجدنا أن كل هذا الكلام النظري وكل هذه التهييئات التي قدمت لم تنفع في منع المتطرفين من التصريح بما يتقنونه أكثر من أي شيء آخر في الكون : تحريمهم للفن . خرج علينا النابحون من كل مكان معتبرين أن لطيفة أحرار ارتكبت جرما غير مقبول وقالت حركة التوحيد والإصلاح الإسلامية في منشورها " التجديد " كاذبة إن " لطيفة أحرار تعرت أمام الجمهور ، علما أن مفهوم التعري يتطلب بعض التدقيق لأننا لا نعتبر المغربيات اللائي يذهبن إلى الشاطئ والمسبح في الصيف عرايا ، واحتد المهاجمون في الأنترنيت والمواقع المشبوهة وكالوا لأحرار ما يريدونه من التهم ، كاشفين عن شيء واحد لا ثاني له : هو أن معركتنا الحقيقية ليست ضد التطرف ، هي ضد ما ينتج التطرف أي ضد الجهل .
لو كان من انتقدوا لطيفة والعرض المسرحي التعبيري الذي قدمته يعرفون معنى التعبير الجسدي لما وصلوا إلى هذا الحد من الرداءة في تعليقاتهم واتهاماتهم لها ، ولو كان من نصبوا أنفسهم حماة للأخلاق الكاذبة في هذا البلد يشاهدون قليلا من المسرحيات العالمية ، أو لو كانوا على الأقل يديرون " الطبسيل " الذي يلتقط لهم برامج القنوات الفضائية جهة قناة " آرتي " الفرانكو ألمانية ، لشاهدوا " العجب " من هذه الناحية ، لكننا نتحدث هنا عن أناس لا يقرؤون ولا يشاهدون ، ولا يسمعون ، ولا يستمتعون ، كل ما يعرفون فعله هو التحريم والمنع .
معنا أناس يقولون كلما حرموا فيلما أو أغنية أو مسرحية إنهم لم يشاهدوها ، وإنهم فخورون بعدم مشاهدتها وعدم الاستماع إليها ، وإنهم لا يجدون غضاضة في الأمر ولا يجدون أي مشكل في انتقادها بل وتحريمها رغم عدم الاطلاع عليها . ما الذي يمكنك أن ترد به على شخص يقول لك إنه لم يشاهد المسرحية أو الفيلم أو العمل الذي ينتقده ولكنه رغم ذلك متأكد أنه يسيء إلى الهوية ويحمل قيما مناهضة لها ؟ وما الذي يمكنك أن تقوله لشخص تقدم له ممثلة عرضا من عروض التعبير الجسدي في قالب مسرحي رفيع ، ويحكم حكما واحدا على العمل بالقول إن " لطيفة أحرار تتعرى أمام الجمهور في مراكش " ؟ طبع لا رد إطلاقا .
كل ما في الأمر هو أننا يجب أن نلتزم أكثر فأكثر بهذه المواقع القليلة التي أضحت للراغبين في التعبير عن أنفسهم وعن إبداعاتهم دون حجر أو وصاية ، وعلينا أن نفهم أن واحدة من أهم معارك المغرب اليوم هي معركة الحرية الفكرية والإبداعية لأن من يضربون في هذا الجانب الآن يعلمون علم اليقين أنها البوابة الوحيدة للانعتاق من تخلفهم الذي لا يريد عنا فكاكا .
علينا نحن فقط أن نمتلك ما يكفي من الوضوح الفكري لكي نعرف أن وقت الصمت عليهم قد فات ، وأن من يسكت اليوم هو متواطئ معهم دون أدنى جدال .
لطيفة ، شكرا لك لأنك كنت سبب خروجهم من الجحور مرة أخرى .