Slideshow

mercredi 23 mars 2011

من هم أشهر الخونة في المغرب؟

 
الباشا التهامي لكلاوي رفقة السي حمو ـ وجيه آل لكلاويين ـ بعدما قام مولاي حفيظ بكسر شوكتهم قبيل دخول الحماية
 
في هذا الملف- التحقيق، تنبس"أوال" ذاكرة المغرب المسكوت عنها. وتطلع المغاربة على حقيقة الخونة الذين كانت لهم سلطة سياسية أو روحية أو علمية، لكنهم رغبوا في توجيهها ضد إرادة المغاربة، فكان المغاربة لهم بالمرصاد. بنفس المرصاد تسقط "أوال" ورقة التوت الأخيرة عن امتداد الخيانة في حياتنا الراهنة، وتكشف لقرائها، استنادا إلى مراجع تاريخية، حقائق تنفرد " أوال" بنشرها لأول مرة.

يعتبر الفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري أن فقهاء المذهب المالكي لخصوا " الكلام في الإمامة"، أي اختيار الحاكم أو السلطان، في كلمة واحدة هي:" من اشتدت وطأته وجبت طاعته"، ويضيف الجابري:" وقد عبر " العامة" في المغرب بلهجتهم وبصيغة لا تخلو من تهكم، عن هذا المبدأ الفقهي فقالوا: " الله ينصر من أصبح". فهل يعني ذلك أن المغاربة لا عهد لهم، وبإمكانهم أن يدعوا بالنصر لسلطان بالليل، وأن يبايعوا من انقلب عليه في الصباح..؟

بالرجوع إلى تاريخ المغرب، بعد الفتح الإسلامي، نجد أن ولاء المغاربة لهذا السلطان أو ذاك، كان يختلف حسب المناطق، أو حسب الزوايا الصوفية، أو العائلات المعروفة.. ومهما احتد الخلاف وبلغ القتال، فلم يكن أي طرف يرمي الزاخر بالخيانة، طالما أن الأمر يتعلق بصراع داخلي لحسم الحكم لهذا السلطان أو ذاك، أو هذه الدولة أو تلك، بل حتى الاستعانة بحاكم مسلم، من غير المغاربة، ضد حاكم مغربي جائر،لم يكن يثير أي حرج، فعندما استنجد عبد الملك السعدي بالأتراك العثمانين ضد ابن أخيه محمد المتوكل، الذي استبد وطغى وقتل إخوته وأهمل شعبه، لم يصفه أحد من العلماء أو من عامة الناس بالخيانة. لكن العلماء، كما عامة الناس، سيقومون بالمرصاد لمحمد المتوكل حين لاذ واستقوى بالبرتغاليين. من جانب اخر، فمفهوم الخيانة لم يكن يتردد بقوة بين المغاربة، بل لن يأخذ معناه الحالي، أي " خيانة الوطن"، إلا مع ظهور " الحركة الوطنية" في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، وبالضبط أثناء مناهضة الظهير البربري، الذي سعى من خلاله الاستعمار الفرنسي، إلى تقسيم المغرب إلى : عرب يحتكمون إلى الشريعة الإسلامية، و" بربر" تحكمهم الأعراف المحلية والقوانين الفرنسية. حيث سيشار إلى المناهضين لهذا الظهير بالوطنيين، فيما سيطلق على المنحازين إليه وإلى فرنسا بالخونة. كلمة خائن ستترسخ لدى المغاربة أكثر سنة 1953، بعدما نفت فرنسا محمد الخامس، وأجلست على عرشه ابن عرفة، حيث سيشرع المقاومون بايعوا ابن عرفة ملكا، ففي هذه الأثناء " وضعت قائمة تضم 65 خائنا... " إذا كان الإنسان بالمرصاد للوطنيين ويعمل جهده للإطاحة بهم، فهؤلاء كنا ننفذ فيهم الإعدام" يحكي المقاوم الحسن العرائشي.

لجنة تطهير الخونة

" بمقتضى ظهير شريف عدد 103-59 المؤرخ بسادس رمضان 1377 ( 27 مارس1958)، أحدثت لجنة مهمتها إصدار العقوبات في حق الأشخاص الواردة أسماؤهم في لا ئحة صدر بها المرسوم عدد131.9.572، المؤرخ بثالث صفر الموافق 3 شتنبر 1957 وفي لا ئحة يقدمها رئيس الحكومة ووزير الداخلية"، هذه اللجنة التي أطلق عليها اسم " لجنة تطهير الخونة"، هي التي أسندت إليها مهمة التحقيق من وطواعية بدور حاسم في إعداد وتنفيذ وتوطيد مؤامرة غشت 1953"، أي مبايعة ابن عرفة " أو ارتكبوا أعمال عنف ضد الشعب أو المقاومين في الفترة المتراوحة ما بين 24 دجنبر 1950 و 16 نونبر 1955". بالإضافة إلى مهمة التحقق من الأسماء المعروضة عليها، أنيطت باللجنة مهمة تحديد العقوبة المستحقة في حق هؤلاء الخونة من تجريدهم من حقوق المواطنة إلى مصادرة أموالهم، " إذا ما ثبت أن ثروتهم اكتسبت كلها أو بعضها إما بطريقة غير مشروعة وإما بتجاوز الحد في استعمال السلطة أو استغلال النفوذ"، وقد تم تفصيل عقوبة التجريد من حقوق المواطنين، في " تنبيه" ذيل اللائحة النهائية للخونة، وهو الحرمان من " حق الانتخابات وحق مزاولة نشاط سياسي أو نقابي أو حق شغل وظيفة عمومية والتجريد من كل الرتب في الجيش والعزل من وظيفة المقاولة وعدم القبول كمحلف قضائي أوخبير أو شاهد لدى المحاكم، والحرمان من مزاولة التعليم، وحق تسيير الصحافة والإذاعة والسينما وغيرها".

أول ملاحظة تثار حول هذه اللائحة، هي أنها جاءت محددة من طرف الوزير الأول الداخلية ، من دون أن تترك للجنة المشرفة إمكانية أن تضيف عليها أسماء أخرى، الشيء الذي جعل بعض المؤرخين يعتبرون أنها لم تتعرض لأهم الخونة الذين عادوا إلى دواليب السلطة مباشرة بعد الاستقلال، " غداة الاستقلال، استأسد خونة الأمس وأصهار المستعمرين من أمثال عبد الوهاب بن منصور" شكام الفرنساويين"، الذي أصبح مؤرخ المملكة، وجنود الاستعمار الفرنسي: المحجوب احرضان وعبد الحفيظ بن الحبيب الذي أصبح وزير القصور والتشريفات ومحمد أفقير وأحمد الدليمي..." يصرح ل"أوال" المؤرخ عبد الكريم الفيلالي الذي كان محمد الخامس قد كلفه "، بعد الاستقلال، بمهمة التوثيق بالقصر الملكي.

المارشال أمزيان..
من شابة أباه فما ظلم..

في يونيو 2006، افتتح لجماعة بني انصار، القريبة من مدينة الناظور، متحف المارشال أمزيان، وهو الافتتاح الذي حضره، بالاضافة إلى ممثلي الحكومة المغربية، كل من الجنرال رافاييل باربودو، الرجل الثاني في الجيش الإسباني، والجنرال رافاييل باربودو، الرجل الثاني في الجيش الإسباني، والجنرال فيسنتي دياز دي بييكاس، القائد العسكري العام لمدينة مليلية، الذي حضر بزيه العسكري، ناهيك عن السفير الإسباني بالمغرب.

بمقابل هذا الحضور الرسمي، حج إلى موقع الإفتتاح عدد من الجمعيات الحقوقية والثقافية بالريف، محتجة ومنددة بتكريم هذا العسكري الذي " سبق له أن شارك مع الجانب الإسباني في معركة أنوال ضد الريفيين بقيادة عبد الكريم الخطابي سنة 1921... زارك سنة 1959 في الحملة القمعية التي باشرها المخزن المغربي ضد انتفاضة الريف، مرتكبا في ذلك أفظع الجرائم الإنسانية"، يقول البيان الذي صدر حينها عن " جمعية الريف لحقوق الإنسان"، فلماذا اختار أمزيان خيانة أهله ومواجهتهم؟ كان عمرلا محمد أمزيان يبلغ من العمر 13 سنة، عندما التحق سنة 1913 بالمعهد الحربي بمدينة طوليدو الإسبانية، في هذا المعهد العسكري سيتعرف أمزيان على زميل دراسة امه فرانسيسكوفرانكو، سيصبح دكتاتور إسبانيا الفاشيستي، وسيقلد صديقه المغربي رتبة جنرال.

في سنة 1921، ستنطلق المقاومة الريفية بقيادة عبد الكريم الخطابي، حيث سيصطف الضابط أمزيان إلى جانب زملائه الإسبان، في مواجهة أبناء جلدته من الريفيين، الذين سحقوا 13 ألف من عساكر المحتل الإسباني في واحدة من أشهر المعارك في تاريخ المغرب معركة أنوال.

أَثناء حرب الريف، كان والد محمد أمزيان يحرض الإسبان، على إبادة الريفيين، حيث صرح في غشت 1921 لأحد الصحافيين الإسبان قائلا:" السياسة الوحيدة التي يجب اتباعها مع المورو (المغربي) هي القوة والشدة، يجب القضاء عليه وإبادته... بالغازات السامة"، تحكي ماريا روسا دي مادارياغا في كتابها:" مغاربة في خدمة فرانكو".

بعد استقلال المغرب سنة 1956، سيلتحق أمزيان بالجيش الملكي، حيث سيقضي ثلاث سنوات في تهيء أفراده وكتائبه التي سيقودها سنة 1959 لقمع انتفاضة الريف، التي يسميها الريفيون" عام إقبارن"، حيث قتل ونكل بالمئات من أهل الريف، وفي سنة 1970 سوف يعلنه الملك الحسن الثاني أول واخر عسكري برتبة مارشال في تاريخ المغرب، وسيعيده إلى إسبانيا سفيرا.

السلطان المسلوخ محمد المتوكل
خان أهله فسلخوا جلده، وشقوا بطنه وحشوه بالتبن

سنة 1578 ميلادية، لجأ السلطان السعدي محمد المتوكل إلى ملك البرتغال سبستيان، ليدعمه في الحرب على المملكة التي خلعه منها عمه عبد المالك، بعد أن رأى استبداد ان أخيه الذي انشغل عن شؤون الحكم بالسهر والمجون، وكان كلما نبهه أحد من الأقربين إلى أفعاله، يقوم بقتله أو سجنه، بحيث قتل، خلال سنوات حكمه الأولى، اثنين من إخواته وسجن الثالث.

في هذه الأجواء سيلجأ عمه عبد المالك السعدي إلى العثمانيين يستنجد بهم لإنقاذ البلاد من ابن أخيه المراهق المستبد، حيث سيمده الأتراك بـ 5000 من الجنود. عندما أحس محمد المتوكل بأن عمه قريب من السيطرة على البلاد، ترك عرشه ولجأ إلى ملك الرتغال يطلب نصرته على عمه، حيث سيشترط الملك البرتغالي على السلطان الخائن أن يمنحه مقابل إعادته إلى عرشه، جميع شواطئ المملكة، وهو ما تعهد به محمد المتوكل. ولكي يبرر خيانته أمام علماء البلاد ونخبتها: كتب رسالة يشرح فيها رسالة أسباب لجوئه إلى النصارى، الذين فضل أن يسميهم" أهل العدوة" فجاء جواب علماء البلاد حاسما ومفندا مزاعم السلطان الخائن:" ... أما قولك في النصارى، فإنك رجعت إلى أهل العدوة واستعظمت أن تسميهم بالنصارى، ففيه مقت لا يخفي. وقولك رجعت إليهم حين عدمت النصرة من المسلمين ففيه محظوران يحضر عندهما غضب الرب جل جلاله، أحدهما كونك اعتقدت أن المسلمين كلهم على ضلال، وأن الحق لم يبق من يقوم به إلا النصارى والعياذ بالله، والثاني أنك استعنت بالكفار على المسلمين..." يوم الإثنين 04 غشت 1578، وقف السلطان السعدي على الضفة الجنوبية من وادي المخازن، على رأس 40 ألف مجاهد، فيما أصطف خلق الملك سبستيان جيش مكون من 130 ألف جندي. لم يتعد زمن المعركة خمس ساعات استطاع المغاربة أن يهزموا جيش أكبر إمبراطوريات الدنيا أنذاك. أما السلطان الخائن محمد المتوكل، فما إن رأى موت صديقه البرتغالي حتى هم بالفرار عبر قنطرة النهر والتي كان الجيش المغربي قد هدمها، حيث عثر عليه غريقا، فسلخ وملئ بطنه بالتبن وطيف به في أرجاء المغرب، وقد عرف بعدها بالسلطان المسلوخ.

السلطان الدمية محمد بن عرفة
أراد أن يصبح ملكا، فمات غريبا في فرنسا

يوم 13 غشت 1953، نقلت سلطات الاستعمار الفرنسي رجلا شارف على السبعين من عمره، اسمه محمد بن عرفة، وهو حفيد السلطان مولاي محمد بن عبد الرحمان، ابن أخ الحسن الأول، من بيته بحي عقبة السبع بفاس، إلى قصر التهامي الكلاوي بمراكش، وأعلنته سلطانا على المغرب. فلماذا اختار المقيم العام الفرنسي الجنرال كيوم الانقلاب على محمد ابن يوسف الذي كانت فرنسا اختارته خصيصا ليكون مجرد حاكم صوري على المغرب؟
لقد قلبت زيارة محمد الخامس التاريخية إلى مدينة طنجة في أبريل 1947 حسابات فرنسا، فالسلطان الذي وقع سنة 1930 الظهير البربري، الذي رفضه علماء علماء الأمة، أصبح يجرؤ على المطالبة بحق المغرب في الاستقلال! ولما كانت فرنسا، قبل غيرها، تعرف أن سلطان المغرب يملك بالدرجة الأولى سلطة روحية على شعبه، فقد لجأت إلى شيوخ الزوايا والباشاوات والقواد، الذين أعلنوا بين الناس أن السلطان ابن يوسف قد خرج عن تقاليد الأمة وأعرافها حين سمح لبناته بالسفر وبالتعلم في مدارس النصارى... وأن لا بديل للمغاربة إلا هذا الشيخ" الورع" ابن عرفة! هكذا تم نفي محمد الخامس يوم 20 غشت 1953 إلى مدغشقر، وتم نقل ابن عرفة من مراكش إلى الرباط، حيث خرجت الجماهير تهتف باسم محمد ابن يوسف، وحتى يتفادى الجنرال كيوم تصاعد الاحتجاج على تنصيب ابن عرفة سلطانا، ولكي يضمن له أكبر عدد من المبايعين، حمل سلطانه الدمية وانزله بقصر المحنشة بمكناس لتلقي البيعة من قواد المدينة وشيوخا الزوايا، وبعدها نقله إلى فاس لنفس الغرض لمحاولة اغتيال من طرف المقاوم علال بن عبد الله.

خلال العامين اللذين حكم فيهما ان عرفة، تنازل السلطان الدمية عن سلطاته التنفيذية لصالح الصدر الأعظم المقري، وعن سلطاته التشريعية لفرنسا، كما وقع ظهيرا خاصا بتنظيم وتشكيل المجالس البلدية المختلطة، الشيء الذي مكن لفرنسا سيادة مماثلة للسيادة الشريفة على المغرب.

بعد عودة محمد الخامس من منفاه في 1955، عاش ابن عرفة منبوذا بطنجة، وبعد استقلال المغرب في 1956 غادر إلى مدينة نيس بفرنسا، إلى أن مات بها سنة 1976.

عبد الحي الكتاني
الزوايا في خدمة فرنسا

عندما مات عبد الحي الكتاني سنة 1962 غريبا بمدينة نيس الفرنسية، ترك ما يزيد على خمسمائة كتاب في الفقه والتصوف والسياسة، غير أن اشتهاره كخائن، غطى على قيته العلمية التي لم يعد يذكرها أحد. كما لم يعد أحد يذكؤ أن الكتاني تبوا الرتبة العلمية الأولى بجماعة القرويين، وفتح مكتبة لعموم الطلبة والباحثين، كانت من أكبر المكاتب في المغرب. لم يذكر الناس أيضا أنه ألف كتابا يرد فيه على الحملة الاستعمارية التي تقوم بها جريدة " السعادة" ضد السلطان مولاي عبد الحفيظ، وأن مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ ومولاي يوسف ومحمد الخامس قد خصوه بظهائر التوقير. كل هذا اختفى خلف تواطئه مع فرنسا ضد محمد الخامس. فما الذي دفع هذا العالم الصوفي إلى ركوب هذه المغامرة التي انتهت به منبوذا في المنفى؟ يبدو أن حقد الكتاني على العلويين راجع إلى اعتقاله هو وأخيه أبي الفيض، عقب تنازل مولاي عبد الحفيظ عن العرش، وقد ورد في ترجمته بموقع الزاوية الكتانية أنه " ابتلى فيمن ابتلى في محنة شقيقه الشيخ ابي الفيض واعتقل بسجن أبي الخصيصات بفاس عدة أشهر، لقي الخصيصات بفاس عدة أشهر، لقي أثناءها عكس ما كان يفترض أن يلقاه نتيجة نشاطه الوطني والإسلامي المخلص، سواء من طرف المخزن، أو من طرف وجهاء المغرب"، لذلك كان عبد الحي الكتاني أكثر المتامرين على محمد الخامس تشددا، بحيث إنه لم يكن حتى مع أت يخلف محمد الخامس سلطان علوي كابن عرفة، كما أنه لم يبد رفضا عندما سجد أمامه قايد تارودانت مالك بن لحسن مبايعا إياه.

ولعل هذا وغيره هو ما سيجعل محمد الخامس يتبرأ من الزوايا ويعتبرها منبوذة من الشريعة، ففي رسالة وجهها في غشت 1953 إلى الرئيس الفرنسي فانسان أوريول، قال محمد الخامس:" ... وبينما كان باشا مراكش يخوض فيما ذكر، قام رئيس زاوية -أي الكتاني- بحملة أخرى باسم زاويا أخرى نبذتها الشريعة الإسلامية صراحة".

أما مصدر " أوال"، المؤرخ عبد الكريم الفيلالي، فيذهب إلى أن الخيانة شيء متأصل في الكتاني وأن تظاهره بالعلم والورع ليس إلا الشجرة التي تخفي غابة فضائحه وانحرافه الجنسي، الذي وصل به إلى حد خيانة ولده واستباحة زوجته، وعن ذلك يقول الفيلالي" المنحرف عبد الحي الكتاني... رواد زوجة ابنه أبو بكر، كما سارت بذلك الأخبار وعرفها أهل فاس".

التهامي الكلاوي
مهندس الخونة

يوم 19 ماي 1953، أصدر التهامي الكلاوي بيانا أعرب فيه عن" صداقته وإخلاصه لفرنسا وحقده على محمد الخامس، مؤكدا عليها أنها إما أن تبادر بإبعاد محمد الخامس أو سيتعدوا هم للرحيل..." يؤكد المؤرخ عبد الكريم الفيلالي في كتابه" التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير" بعدها بيومين، أي في 21 ماي 1953 وقع 270 من الباشاوات والقواد عريضة جاء فيها:" إننا معشر القواد في مختلف الجهات المغربية ومن في دائرتهم من المغاربة رجال حركة المعارضة والإصلاح المضين أسفله تحت رئاسة سعادة الباشا الهمام السيد الحاج التهامي المزواري الكلاوي، نتقدم بكل شرف إلى سعادة المقيم العام للدولة الفرنسية الفخيمة بما يأتي: بما أن السلطان سيدي محمد بن يوسف خرج عن جميع رجال المغرب العاملين، واتبع طريقا مخالفا للقواعد الدينية بانتمائه للأحزاب المتطرفة غير المعترف بها وتطبيق مبادئها في البلاد، الشيء الذي جعله يسير بالمغرب في طريق الهاوية، فإننا بصفتنا كبراء المغرب وأصحاب الحل والعقد، ومن ذوي الغيرة على الدين الإسلامي نقدم لسعادة المقيم العام وللدولة الفرنسية طلب عزل السلطان عن الحكم وتنحيته عن العرش وإسناد هذا الأمر إلى من يستحقه".

بعد انكشاف مؤامرة الكلاوي ضد السلطان الشرعي، خرجت فتوى شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي بكفر الكلاوي ومن معه وإباحة دمائهم، وهي الفتوى التي تبناها 300 عالم من كل أنحاء المغرب، وعززتها يوم 18 يوليوز 1953 فتوى علماء الأزهر" بكفر الجلاوي ومروقه". ولم يقتصر الأمر على علماء المسلمين، بل تعداه إلى المفكرين الفرنسين، ففي أحد اجتماعات" اللجنة الفرنسية المغربية" بباريس، تناول الكلمة المستشرق الشهير لويس ماسينيون، وشرح للحضور الفرنسي مسألة الشهادة في الإسلام، مؤكدا، حسب ما نقله المؤرخ الفيلالي عن جريدة البصائر، أن الشهادة " ممنوعة على الماردين من نوع الفساق وأصحاب دور البغاء... وأن باشا مراكش لا يجوز له أن يؤدي شهادة ما، لأنه يكسب عدة دور للبغاء في مراكش ويشرف على السفاح في جميع أطراف المدينة، وقد أحدث هذا الشرح موجة ضحك من طرف الحاضرين".

بعد عودة محمد الخامس من منفاه، ارتمى التهامي الكلاوي ارتماءته الشهيرة تحت قدميه، ملتمسا عفوه، وبعد صدور لائحة الخونة ورد اسم التهامي الكلاوي، وابنيه ابراهيم واحماد، ضمنها، وحكم عليهم بعدم الأهلية الوطنية لمدة 15 سنة مع مصادرة أملاكهم إلا أن التهامي الكلاوي لم يكن ليعيش خارج ماء السلطة، بحيث سيموت في 13 يناير1956.

عبد الرحمان الحجوي الخائن
الذي اتهم محمد الخامس

عندما أسس محمد اشماعو بمدينة سلا جريدة " الواداد"،وكلف عبد الرحمان الحجوي، الذي كان مديرا للغولف التجارية، بإرادتها، لم يتوقع أحد من الوطنيين أن تصبح جريدة " السعادة" لسان حال الإقامة العامة الفرنسية، أكبر بوق مهلل للاستعمار، وضد الوطنيين، بحيث أصبحت هذه الجريدة شيئا فشيئا تتنكر لوطنيتها، وتعلن انحيازها للمستعمر، تارة بمبرر احترام معاهدة 1912، وتارة بمبرر تجنب الفوضى، ثم أخيرا بوقوفها مباشرة ضد محمد الخامس والحركة الوطنية التي أصبحت تعتبرها شيوعية وضد قيم الوطن!

بعد نفي محمد الخامس في 21 غشت 1953، كتبت الجريدة تهانيها شعرا إلى ابن عرفة، وبالبنط العريض، وقد جاء فيها:"فعهد جديدا أتى ؟؟ وعهد قديم مضى _ فأهل وسهلا بيوم؟؟ أضاء بنوره الرضى". وجزاء لخط تحرير الجريدة، تم تعيين مديرها عبد الرحمان الحجوي مدير للتشريفات في قصر ابن عرفة. وقد زاد هذا التعيين الحجوي حماسا للكتابة ضد الوطنين وضد السلطان الشرعي الذي لم يكن يتورع في رميه بأقذع النعوت، فحينما أصدر علماء" الأزهر" فتواهم بتحريم التعاون مع فرنسا وتفكير كل من فعل ذلك، جاء الجواب سريعا من جريدة الحجوي التي اعتبرت في أحد أعدادها أن حالة محمد الخامس وقد ورد في إحدى افتتاحيات جريدة " الوداد" التي كان يكتبها الحجوي:" ... الذين لا اطلاع لهم على حقيقة السلطان المخلوع ولا يعرفون شيئا عن إلحاده وزندقته إلا ما يتلقونه بواسطة أذنابه الذين هم على حقيقة السلطان المخلوع ولا يعرفون شيئا عن إلحاده وزندقته إلا ما يتلقونه بواسطة أذنابه الذين هم على شاكلته والموجودين عندهم بالقاهرة".كما أضاف الحجوي في افتتاحيته هذه بأن محمد الخامس" يتلقى الرشوة ويبيع المناصب والوظائف"، قبل أن ينهي مرافعته الملفقة بالتشير ب" العهد الجديد" تحت قيادة ابن عرفة معلنا أن " الملوك تتبدل والعرش يبقى في الأسرة العلوية".

وقد صنفت" لجنة تطهير الخونة" عبد الرحمان الحجوي ضمن لا ئحة الأشخاص الذين صدر في حقهم حكم" عدم الأهلية الوطنية، والتجريد من كافة حقوق المواطنين لمدة خمسة عشر عاما، ومصادرة جميع أملاكهم".

" الحقيقة الضائعة"
هل كان مصطفى العلوي خائنا"

عادة لا يتحدث " قيدوم الصحفيين المغاربة" مصطفى العلوي، في حواراته وكتاباته، عن تجربته ب" راديو ماروك"، بل يوثر أن يبدأ مساره الإعلامي من مجلة" المشاهد" التي أطلقها العلوي غداة الاستقلال، فهل يعني ذلك أن الرجل يقصى بشكل منهجي هذه التجربة الإذاعية من سجله، اعتبار لكون اسمه ارتبط في ذهن المغاربة بالصحافة المكتوبة؟ أم أنه يهمل، لأسباب فنية، الكلام عن التجربة الأولى، التي عادة ما تشوبها الهواية و الإرتجال؟ أم أن ثمة سرا وراء الأكمة؟

من المعروف ان" راديو ماروك" لم يكن فعلا ل"الماروك" أي المغاربة، بل كان بوقا للخطاب السياسي الإستعماري، ولم يكن يسمح لأي من المواطنين أو المتعاطفين معهم بالإِشتغال فيه، فما الذي كان يقوله العلوي في هذا الراديو.. هل كان يقدم برنامجا للأغاني والأماني؟ " بل كان مخبرا للفرنسين"! يقول الباحث في مجال التاريخ محمد القاجيري، في سياق حديثه عن الموقف السلبي لمجلة المشاهد الذي كان يديرها العلوي من انتفاضة الريف لعام 1958، والتي لم تكن تتوان في كيل "الأوصاف والنعوت القدحية، خلال فترة الإستعمار، المشابهة لأوصاف مجلة" المشاهد" التي كانت تصدر من سيدة فرنسية ويديرها الأمازيغوفوبي مصطفى العلوي، والذي كان يعمل صحافيا بإذاعة المغرب radio maroc التابعة للإستعمار الفرنسي.

مصطفى العلوي كان يردد "الملك محمد بنعرفة نصره الله، كما جاء في بعض كتب التاريخ. لقد كان" قيدوم الصحافيين بالمغرب"، كما يسمى الان، مدير ورئيس التحرير مجلة " المشاهد" وصاحب جريدة" الأسبوع الصحافي " الحالية، يصف سكان الريف المنتفضين في جبال الريف بعدة أوصاف احتقارية مهنية ومشينة... كان يصف الريفيين ب" المعتدين"، "جهال"، "منشقين". فمثلا يقول في أحد تقارير مجلة " المشاهد" في عدد يناير 1959 إن " هؤلاؤ الذين حملوا السلاح واعتصموا بالجبال وقاموا ببعض الاعتداءات أكثر من علة يتذرعون بها، فكلهم جهال قبل كل شيء، ولقد ضرب لهم من دعاهم إلى التمرد على النغمة التي تثيرهم وتجعلهم يسارعون إلى حمل السلاح". وتبقى الحقيقة الضائعة عما كان يقوله مصطفى العلوي في " راديو ماروك" هي الفصل المبتور في سجل قيدوم الإذاعيين أولا، والصحافة المكتوبة ثانيا.

علي العلوي الصحفي
الذي ضبط أحرضان متلبسا بالخيانة

يعتبر علي العلوي، أو علي بن الشريف العلوي، كما يحلو له، من أقدم الصحفيين المغاربة الذين بدؤوا مشوارهم المهني على أمواج " راديو ماروك"، وهي الإذاعة التي كانت بوق فرنسا الاستعمارية، والتي كان من ضمن من عمل فيها في مرحلة الحماية مدير الأسبوع السياسي مصطفى العلوي. فهل كان علي العلوي مجرد موظف محايد؟ أم أنه كان" صحفيا متميزا سخر قلمه الغزير في الدفاع عن قضايا الوطن والتصدي لمؤامرات ودسائس الأعداء"، كما قال عنه رفيقه في الحزب امحند العنصر؟ أم أن الرجل كان صوتا من أصوات "راديو ماروك". عن ذلك يجيب عبد الكريم الفيلالي في " التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير" قائلا:" علي العلوي المعروف بفضائحه زمن الاستعمار الفرنسي وما كان يتقيؤه على المغرب والمغاربة بواسطة برنامجه " بين الشرق والغرب""، قبل أن يضيف الفيلالي متسائلا:" بربك هل صاحب برنامج " بين الشرق والغرب"، المحكوم بخيانته والمدرج اسمه في لائحة الذين صدر في حقهم ظهير ملكي يرسم تلك الخيانة منذ شهر مارس 1958، صدر في حقه العفو حتى يصبح نائبا في البرلمان؟". مسألة ورود اسم علي العلوي ضمن لا ئحة الخونة يؤكدها مؤسس الحركة الشعبية المحجوبي أحرضان في بلاغ الطرد الذي كان قد أرسله إلى علي العلوي، حصلت " أوال" على نسخة منه، والذي يقول أحرضان فيه:" ... لشد ما ذهلت واندهشت وأنا خارج الوطن عندما اطلعت على مقال كتب عنك وعن ماضيك على صفحات الاتحاد الاشتراكي في عددها الصادر يوم عشرين غشت 1963 بمناسبة ثورة الملك والشعب، فانتظرت ردك على المقال وكذيبك لما ورد في حقك من نعت بالتعامل مع سلطات الحماية ضد مقدسات البلاد، بل كنت أنوي مطالبتك بالرد أو الرد مكانك لاعتقادي أن الأمر لا يعدو أن يكون مؤامرة في حقك وفي حق الحركة الشعبية"، ثم يضيف أحرضان مفردا دلائله على خيانة العلوي:" بعد رجوعي إلى أرض الوطن قمت ببحث في الموضوع أكد لي بما لا يدع مجالا للشك أن وصفك بالعمالة مع الحماية ليس تهمة، بل هو واقع يعرفه الكثيرون وزكاه لي ما ورد في الصحيفة 1910 من الجريدة الرسمية (...) بخصوص المسمى الرشاد الذي كان موظفا بإذاعة " راديو ماروك" في عهد الحماية والذي هو أنت نفسك."

الصدر الأعظم الحاج محمد المقري
اعتبر أن بقاء محمد الخامس يمس الشعور الديني للمغاربة

" إن إبعاد محمد الخامس سوف لن يكلف أكثر من 24 ساعة من الفوضى والاضطراب، وإن بقاءه بعدما أجمع المجتمعون بمراكش على قيام إمام ثان هو سيده محمد بن عرفة، سيكون خطرا على البلاد، وإن وجود إمامين إمام الرباط واخر بمراكش عمل يمس الشعور الديني، وإذا صح العزم فلتبادر فرنسا بإبعاد عدوها". إن الذي قال هذا ليس غير الحاج محمد المقري، الصدر الأعظم، أي الوزير الأول لمحمد الخامس وذراعه التي كان يعتمد عليها، فكيف انقلب الوزير على السلطان الذي كان وصيا عليه بعد وفاة والده مولاي يوسف سنة 1930؟
لقد كانت فرنسا، ومنذ توقيع اتفاقية الحماية سنة 1912، تعتبر أن رجلها الأول في المغرب هو الصدر الأعظم الذي ورثته عن السلطان مولاي عبد الحفيظ، الذي كان متزوجا من رقية ابنة المقري. وهو من اختار الأمير سيدي محمد، الذي كان أصغر ابناء مولاي يوسف، حتى يبقى وصيا عليه ويحكم بدله، وقد استطاع المقري، لفترة، أن يستغل وصايته على السلطان، حيث سيوقع الظهير البربري، لكنه لم يكن يعرف أنه بذلك يستعجل نهايته ونهاية فرنسا، فقد شكل حدث الظهير البربري سببا قويا لظهور الحركة الوطنية لكن هذا لا يبرر وحده انصياع صدر الدولة الأعظم وراء الأجندة الفرنسية، وإبعاد السلطان الشرعي. ألم يكن في الأمر مساومة أو ابتزاز للمقري؟ هذا ما يؤكده صاحب كتاب " التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير"، إذ يقول إنه " في عهد المولى عبد الحفيظ وبالضبط عام 1910 كان سفر المقري لباريز على رأس وفد... وهي سفارة لم تذكر كثيرا في ترجمة الرجل لأنه حصلت له أثناءها قصة خلقية مع زوجة سائق فرنسي استدرجه الفرنسيون بها حتى قيل إنها حملت منه. وبذلك أصبح المقري مأسورا للفرنسيين طيلة حياته مقابل عدم إفشاء السر". في شتنبر 1957 توفي المقري عن عمر يناهز 115 سنة، وقد جاءت وفاته بعد ستة أيام من صدور لا ئحة الخونة، التي جردته من حق المواطنة لمدة 15 سنة.

محمد بن ابراهيم..
شاعر الكلاوي الذي مدح ابن عرفة

بحلول سنة 2010، يكون قد مضى على وفاة شاعر الحمراء، محمد بن اباهيم، خمس وخمسون سنة، فالشاعر الإحيائي، الكلاسيكي، الذي توفي شهرين قبل استقلال المغرب، طبع جيل ما بعد الاستقلال بكامله، كما استطاعت قصائده أن تصلح ما أفسدته مواقفه، إذ من المعروف أن شاعر الحمراء كان مواليا لباشا مراكش، التهامي الكلاوي، كما أنه مدح " السلطان الدمية" محمد ابن عرفة.. وبالرغم من كل ذلك، فقد غفرت قصائده مساوءه، بحيث سيكلف الملك الراحل الحسن الثاني، قبل مماته، مؤنسه، الفقيه بين بين، بجمع شعر بن إبراهيم، الذي تركه صاحبه، على عادة المراكشيين، منذوا للشفهية.
"... حادثان بارزان في حياته صاحباه حتى الموت: أولهما إدمانه الشراب، وثاتيهما تعرفه على الكلاوي... في الوقت الذي اشتد فيه الصراع بين الكلاوي وسكان مراكس، بل بين الكلاوي والرأي العام الوطني بالمغرب... فلماذا انساق وراء الكلاوي حتى أصبح شاعره المفرزض عليه في وقت لم يكن الكلاوي وأمثاله من الحكام التقليديين يتخذون لهم شعراء يشيدون بأمجادهم ويتحدثون بفضلهم؟. و ربما لم يكن الكلاوي من الذين يضعون الشعر في المكانة التي كان يظنها الشاعر. ومع ذلك، كان شاعره المادح، المبالغ في المدح"، يحكي ويتساءل عبد الكريم غلاب في كتابه" عالم شاعر الحمراء". ولكن شاعر الحمراء لم يكتف بمدح الكلاوي لوحده بل إنه سبق له أن مدح محمد الخامس، كما مدح ابن عرفة يوم تنصيبه من طرف الكلاوي وفرنسا، ومدح جنرالات فرنسا، بقدر مدح ولي نعمته الحاج التهامي الكلاوي! فما الذي كان يقوله شاعر الحمراء في وعيم الخونة المغاربة التهامي الكلاوي؟
من ضمن ما قاله فيه مدحا، هذين البيتين:
" مثل التهامي ما في الأرض من بطل
شهادة صدرت من أعظم الدول
هذي فرنسا وذا وسام عزتها
وأنت عديم الند والمثل".
ولم يكن شاعر الحمراء ليمدح الكلاوي دون أن ينسى حاميته فرنسا المستعمرة، وفيها قال:
"هذي فرنسا وهي خير حبيبة للعرش وهو لها أعز حبيب
قد شاركتنا في السرور بعيده
لله ما أحلى اتحاد الشعوب".
وبمنطق شعراء البلاط المتملقين سيمدح بن ابراهيم" السلطان الدمية" ابن عرفة. بعد أن نصبته فرنسا بتنسيق مع الكلاوي ملكا، بل أن الشاعر سيجد مبررا دينيا لتنصيبه الذي صادف عيد الأضحى، وفيه قال:
" محمد بن عرفة
نصر يوم عرفة
فذاك سر ظاهر
يعرفه من عرفه".